المادة    
السؤال: تناقلت الأخبار والإذاعات نبأ زيارة بابا الفاتيكان للسودان الشقيق والترحيب والاستقبال له من حكومة السودان، وعلى رأسهم الفريق البشير والترحيب بقوله أنت هبة الله، وحسب ما تناقلته الصحيفة أن البابا أقام الصلوات المسيحية النصرانية على أرض السودان، فينبغي لنا نحن المسلمين أن نستنكر ذلك، باعتبار أن بلاد السودان بلاد إسلامية، نرجو رأيكم وما هي النصيحة في ذلك؟
الجواب:
من عظم البلاء وعظيم الفتنة على المسلمين أن يتسابقوا لاسترضاء زعماء الكفر، وأن يتنافسوا على ذلك, وهذه لا شك أنها أحد مظاهر ضعف عقيدة الولاء والبراء, وانحراف المناهج الدعوية التي تشهده الأمة في هذا العصر.
فالبابا في الفترة الأخيرة هو بين من يزوره وبين من يستزيره، والكل يخطب وده من حكومات العالم الإسلامي، والكل يشيد بدوره، ويتمنى له دوراً أكبر في حل مشكلة السلام، وفي إرجاع الحقوق الفلسطينية وفي غير ذلك، وكل واحد منهم يدعي أن له تأويلاً في ذلك.
فهذا يقول نريد أن نؤيد البابا والنصارى، ونستظهر بهم على العدو الصهيوني، والآخر يقول: نحن نريد -كما هو حال السودان- أن نكسر حاجز العزلة، أو الحصار الذي يريد الغرب أن يفرضه علينا، فهذا إمامهم وزعيمهم الروحي يأتينا ونريد أن نثبت لهم أننا لسنا ضد حقوق الإنسان، وحتى لا يقول النصارى في الجنوب لماذا تقاتلونا؟ وغير ذلك، أنا أقول في الحقيقة كل هذه التأويلات مردودة ومرفوضة.
  1. حقيقة البابا وكل بابا

    البابا هذا عدو الله، وعدو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعدو المؤمنين، ومن زاره، أو استزاره، وجامله، فهو لا شك مخالف للعقيدة الصحيحة، ولا شك أن هذا منحدر خطر، يقع فيه كل من فعل هذا العمل أياً كان، ولا يقبل أي تأويل ولا أي تعليل لمثل هذا الأمر، وخاصة أن يأتي إلى السودان وأن يقيم فيها الصلاة والقداس -كما يزعمون- هذا في الحقيقة منكر يجب أن ينكر ويعلن إنكاره، وأن يصل هذا الإنكار إلى من يهمه الأمر في السودان، فنحن جميعاً رحبنا وفرحنا بالخطوات التي قدمت والتي بذلت من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية، ومن أجل بناء دولة إسلامية في السودان، وهذا الذي نحن رحبنا به، وفرحنا به ولا زلنا نأمل فيه الخير -إن شاء الله- فلا يصح بأي حال من الأحوال أن يأتوا بمثل هذا العمل الذي لا يمكن أن يقرهم عليه أي مسلم.
    وأنا أنصح كل مسلم -عموماً- بما أمر الله تبارك وتعـالى به من وجـوب عـداوة هـؤلاء ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)) [المائدة:51] فيجب أن نعاديهم، وألا نأمنهم، وأن نعلن عداوتهم، ونحذر مكرهم وخططهم، ومهما ظننا أننا نستفيد من زيارتهم لنا، فالحقيقة نحن خاسرون، هم أمهر منا في السياسة، وأعلم منا بالفائدة المرجوة المتحققة.
  2. نصيحة لدولة السودان

    إنني أنصح بصفة خاصة الحكومة السودانية بأن تستقيم على أمر الله، هي وغيرها من الحكومات، لكن أنصحها هي بالذات لأنها ترفع هذا الشعار، أن تستقيم على أمر الله وتعلن الولاء مجرداً لله ولرسوله وللمؤمنين, وتعلن تطبيق الشريعة الإسلامية بكل صراحة وبكل وضوح.
    وعلى جميع الناس أن يعلموا أنها إذا فعلت ذلك فسوف تخسر الغرب, ولكنها سوف تكسب -أولاً- رضا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهذا أهم شيء في الدنيا، ثم سوف تكسب مشاعر وتعاطف المسلمين، وكثير من المسلمين مترددين في تأييدها؛ لأنها لم تعلن بقوة وبوضوح وبصراحة معاداة هؤلاء الكفار، ولم تطبق الشريعة الإسلامية تطبيقاً كاملاً، فهناك نوع من التردد، بل نوع من العداوة، ونحن لا نقر أن يعادى أي مسلم على أية حال، لكن موجود هذا في صفوف بعض الإسلاميين، نظراً لهذا التلكؤ والتباطؤ وتمييع بعض الأمور، وللخلل الفكري الذي نحن نعرفه، والخلل في المنهج الدعوي الذي يتبناه الدكتور حسن الترابي ومن معه، فنحن ننصح الحكومة السودانية أن تعرض عن كل عقيدة تخالف عقيدة السلف الصالح وأن تتبنى عقيدة السلف الصالح ومنهج الكتاب والسنة، منهجاً تدعو إليه وتعمل به، وإذا فعلت ذلك؛ فإن الله تعالى سوف ينصرها -هي وأي حكومة- سوف ينصرها ويعينها على الغرب وعلى غيرهم.
    أما إذا كانت قضية العقيدة قضية عامة أو مائعة، والتقدم إلى الإسلام أو إلى تطبيقه استحياء، وأن هذا نوع من المجاملة، وهذه قضية سياسية، وهذه قضية مصلحية، وهذه قضية كذا وكذا، ضاع الأمر الذي من أجله قامت الدولة، وقامت الحركة واستبشر المسلمون بقيامها، وإن كانت لم تحقق حتى الآن مما يدعو إلى التفاؤل الكبير، ولكن لا يشك أي إنسان أنها حققت أموراً وأشياءً كانت غير متحققة في السودان فيما يتعلق بالجهاد -جهاد النصارى- وبإحياء بعض الشعائر الإسلامية، وتعديل بعض المناهج، وهذه كلها أمور تشكر لهم، ولكن نريد منهم الاستقامة الكاملة والاعتصام بحبل الله والتوكل على الله، وترك هذه المجاملات، ونرجو أن يبلغهم استنكارنا الشديد لمرور البابا في السودان.
    يجب أن يعلم كل مسلم، أنه لا مكان للبابا ولا لأحد من أعوانه على أرض الإسلام، ولا يجوز أن يمسها ولا لصاحب قداسة، بل لا يجوز أن يعتقد أحد أن هذا الوصف صحيح، أن يقال له: صاحب قداسة، فهؤلاء أعداء الله، وهو زعيم الكفر في العالم، وزعيم الأمة الضالة، التي وصفها الله تبارك وتعالى بالضلال والكفر، فقال ((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ))[المائدة:73], وقال ((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)) [المائدة:72] فكيف تكون له قداسة، وكيف يصبح له ذلك في بلاد المسلمين.
    أما وجود نصارى في السودان أو في مصر أو في غيرهما فيجب أن تقام عليهم أحكام الإسلام كاملة، والآيات التي أنزلت في سورة المائدة، آيات الحكم وسبب نزولها -كما تعلمون- هو اليهودي واليهودية اللذان زنيا في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحد عليهما مع أنهما يهوديان، فلا يقال إن الشريعة لا تطبق إلا على المسلمين، بل لا بد أن تطبق على كل أحد ما دامت الحكومة حكومة إسلامية، وما دامت الدولة دولة إسلامية.
    ونسأل الله سبحانه أن يرد هذه الأمة إليه رداً حميداً، وأن يبصرنا بحقائق هذا الدين، وألا يجعل للمنحرفين في مناهجهم الدعوية أو الفكرية سبيلاً إلى تضليل هذه الأمة، وهذه الجماهير المسكينة التي يلبس عليها دينها هاهنا وهاهنا، والله المستعان.